بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم القائل
( من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه ) رواه مسلم من حديث أبي هريرة .
ـ القلب أيها الأخ الكريم هو موضع الإرادة في الإنسان ، فهو أحيانا يريد الخير ،
وأحيانا يريد الشر ، والجوارح ليست سوى جنود تطيعه على وفق ما فيه من الإرادة .
ـ والفرق بين الملتزمين بالطاعة وبينك ، أن الملتزمين قلوبهم تريد الخير إرادة جازمة
ولهذا فجوارحهم تطيع هذه الإرادة فهم مستقيمون على طاعة الله تعالى ،
وأما أنت فقلبك يعلم الخير و الشر ، ويفرق بين الحسنات والسيئات ،
ولكنه لا يستطيع أن يريد الخير ، فتجده يريد الشهوات ، مع أنه يعلم أنها تضره ،
فيأمر الجوارح فتطيعه ، ولكن ما هو السبب ؟
ـ السبب هو أن القلب المحصن من الشيطان ، تسهل عليه إرادة فعل الخيرات
لانه قلب صحيح قوي ، والقلب الذي يمكن الشيطان أن يدخله فيتجول فيه كما يشاء ،
يتوصل الشيطان بسهولة أن يجعل فيه إرداة السيئات ، بعدما يزينها له ،
لانه قلب مريض مليء بالجراثيم الشيطانية .
ـ ومن الناس من لا يدخل الشيطان قلبه إلا مرورا سريعا ، لقوة التحصينات حوله ،
فهذا مثل الذين يفعلون الصغائر أحيانا وسرعان ما يتوبون منهــا ،
وهم الذين قال الله تعالى عنهم ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا
فإذا هم مبصرون ) ، ومن الناس من لا يقترب الشيطان من قلبه أبدا ،
لان قلبه مثل السماء المحروسة بالشهب من الشياطين ، فقلبه كذلك محروس من الشيطان ،
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا القلب ( أبيض مثل الصفا لا تضره
فتنة مادامت السماوات والأرض ) رواه مسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه ،
ومن الناس من دخل الشيطان قلبه ، فاتخذ فيه بيتا ، وجعل له فيه عشا يبيض فيه ويفرخ ،
فاستحوذ عليه ، يأمر القلب بالشهوات المحرمة ، فيريدها قلبه ،
فيأمر الجوارح بفعلها فتفعله ، لان الشيطان وجده قلبا خاليا عن التحصينات ،
مفتح الأبواب ، ضعيفا مريضا بفعل السيئات ، ولهذا قال الله تعالى عن هذا النوع
( استحوذ عليهم الشيطان فأنساهـــم ذكر الله ) ، لان ذكر الله تعالى هو الحصن من الشيطان ،
فأنساهم إياه ليستحوذ على قلوبهم فيقودها لتنقاد جوراحهم له تبعا .
ـ والقلب لا يحصن من الشيطان إلا بذكر الله تعالى ولا يقوى على إرادة الخير
إلا بالعمل الصالح ، ولا يغلبه الشيطان إلا إن كان غافلا عن ذكر الله تعالى ،
ضعيفا بسبب فعل السيئات والمنكرات .
ـ والان بعد أن عرفت السبب في أن قلبك لا يطاوعك على إرادة العمل الصالح ،
وترك السيئات ، ولا يمكنه أن يثبت على الاستقامة ، فالعلاج يكمن في هذه
الوصفة الطبية ، خذها وداوم عليها فنتائجها مضمونة بإذن الله إن ثابرت عليها بصدق:
1ـ احرص على إقامة الصلوات الخمس في جماعة لاسيما صلاة الفجر فإياك
أن تفوتك أبدا ، قال الله تعالى ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا )
أي صلاة الفجر تشهدها الملائكة .
2ـ بعد صلاة الفجر امكث في المسجد لقراءة القرآن إلى طلوع الشمس ،
ثم صل ركعتين بعد ارتفاعها قيد رمح ( وقيد الرمح : مقدار عشرة دقائق
من أول الشروق ).
3ـ قل (سبحان الله وبحمده) مائة مرة كل يوم في أي وقت في المسجد
أو البيت ، ماشيا ، أو قاعدا ، أو في السيارة ..الخ ، وهذا الذكر يحت الخطايا حتا .
4ـ استغفر الله تعالى مائة مرة كل يوم ، قائلا ( أستغفر الله وأتوب إليه )
كذلك في أي وقت شئت ، وعلى أي حال تكون .
5ـ قل هذا الذكر مائة مرة ( لاإله إلا الله وحده لاشريك له ، له الملك
وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) مائة مرة كل يوم كذلك في أي وقت شئت ،
وعلى حال تكون ، ولا يشترط في المسجد ، وهذه الأذكار كان يداوم عليها
النبي صلى الله عليه وسلم فهي حياة القلب وغذاؤه الذي لا يستغني عنه .
6ـ بين صلاتي المغرب والعشاء رابط في المسجد فلاتخرج منه واقرأ ما تيسر
من القرآن بالتدبـــر .
7ـ يجب عليك الحمية التامة من النظر إلى التلفزيون ، أو المجلات ،
أو الذهاب إلى أي مكان في منكرات ، فأنت في حجر صحي لكي ترجع
إلى قلبك عافيته ، ولن ينفعك الدواء وهي الحسنات ، إن كنت تدخل
عليه الداء في أثناء فترة العلاج ، والداء هو السيئات .
8 ـ استمر على هذا البرنامج شهرا كاملا على الأقل ، تعيش فيه مع القرآن تقرؤه بالتدبر ،
وتعمل بما فيه ، وتخلو بنفسك لذكر الله تعالى الساعات الطوال ،
والدليل على الشهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بذلك قال
( اقرأ القرآن في شهر ، اقرأه في خمس وعشرين ، اقرأه في عشر ،
أقرأه في سبع ) متفق عليه من حديث اين عمر .
9ـ إن كانت البيئة التي تعيش فيها لا تساعدك على تطبيق هذا البرنامج فغير بيئتك ،
اترك أصحاب السوء ، وابتعد عن الأماكن التي تقضي فيها أوقات فراغك
إن كانت تشجع على المعاصي ، ولو استطعت أن تسافر إلى مكـــة مثلا
لتطبق هذا البرنامج فافعل .
10ـ تصدق بجزء من مالك ، توبة إلى الله تعالى ، صدقة سر لا يطلع عليها
أحد إلا الله تعالى ، فقد صح في الحديث ( صدقة السر تطفئ غضب الرب )
رواه ابن حبان من حديث أنس .
11ـ حاول أن تذهب إلى العمرة ناويا تجديد إيمانك وغسل ماضيك
بماء هذه الرحلة المباركة قال صلى الله عليه وسلم ( العمرة إلى العمرة
كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) متفق عليه
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
12ـ إن كانت لديك حقوق للناس ردها كلها ، ولا تترك منها شيئا في ذمتك توبة إلى الله .
13ـ ادع الله تعالى كل ليلة في وقت السحر قبل صلاة الفجر بهذا الدعاء
( رب إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة
من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ) وهذا الدعاء ( اللهم ألهمني
رشدي وقني شر نفسي ) وهذان علمهما الرسول صلى الله عليه وسلم لبعض
أصحابه ، وأكثر من الاستغفار والدعاء فإن السحر ( قبل الفجر ) وقت يستجاب فيه الدعاء .
هذه هي وصفتك الطبية ، ومدة الشهر غير مقصودة بالتحديد ، فقد يظهر
عليك التغير قبل ذلك ، و قد تحتاج إلى الاستمرار إلى أكثر من شهر في هذا
الحجر الصحي ، والهدف منه هو طرد الشيطان من القلب، وتنظيف آثاره ،
وأوساخه ، وقاذوراته التي وضعها فيه ، لأنها هي السبب في كون قلبك ضعيفا
لا يستطيع إرادة الخير وفعل الصالحات ، وينقاد بسرعة إلى نداء الشهوات .
فإن عاد إلى القلب عافيته ، وصار سليما قويا بذكر الله تعالى ، محصنا من
كيد الشيطان ، فخفف قليلا من هذا البرنامج على قدر ما تطيق ،
فقد قال صلى الله عليه وسلم ( عليكم بما تطيقون ) متفق عليه من
حديث عائشة رضي الله عنها ، إلا إن كنت تطيق أكثر من ذلك ، فزد من
الخير مادام قلبك يحب العمل الصالح ، فهذه الوظائف الإيمانية هي الدرجات
عند الله ، كلما أكثر العبد منها ارتفع وعلا في مدارج التقوى ، واحسن أداء
ما افترض الله عيك ، وستلاحظ أن الأمور قد تغيرت بشكل عجيب ، مع مدوامتك على هذه
الوصفة التي وصفت لك ، وستجد نفسك تكره الوقوع في المعاصي ،
وستجد قلبك لا يريد فعلها ، وينظر إليها نظرة احتقار وازدراء ، وستحب العمل الصالح ،
وتنشط له ، وتشعر بحلاوته في قلبك ، والسر في هذا التغير ،
هو أنك عالجت القلب بذكر الله تعالى والعمل الصالح ، فصار صحيحا يريد الخير
ويحبه ، بعد أن كان مريضا يريد الشر والسيئات ويحبها ، قال الحق سبحانه
( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم ، وكره إليكم الكفر والفسوق
والعصيان أولئك هم الراشدون ، فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم ) والله أعلم .
بقلم محمد السيد يونس
__________________